قال ابن فارس رحمه الله: «الواو والثاء والنون كلمة واحدة؛ هي: الوثن واحد الأوثان: حجارة كانت تعبد وأصلها استوثن الشيء: قوِي، وأوثن فلان الحمل: كثَّره، وأوثنت له: أعطيته جزيلاً»[1].
والوثن والواثن: المقيم الراكد الثابت الدائم، والوثن الصنم ما كان، وقيل: الصنم الصغير وقد يطلق الوثن على غير الصورة، الجمع: أوثان ووُثُن ووُثْن وأُثُن، وأصل الأوثان عند العرب: كل تمثال من خشب، أو حجارة، أو ذهب، أو فضة، أو نحاس، أو نحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها[2].
[1] مقاييس اللغة (6/85) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: لسان العرب (15/213 ـ 214) [دار إحياء التراث العربي، ط3]، وترتيب القاموس المحيط (4/574) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ].
الوثن: اسم جامع لكل ما عُبِدَ من دون الله، لا فرق بين الأشجار، والأحجار، والأبنية، ولا بين الأنبياء، والصالحين، والطالحين، رضوا بذلك أم لم يرضوا[1].
[1] انظر: التمهيد لابن عبد البر (5/45) [دار الجيل، ط1420هـ]، وفتح المجيد (101، 295) [دار ابن الأثير، ط15]، والقول السديد في مقاصد التوحيد لابن سعدي، ضمن المجموعة الكاملة (3/29) [مركز صالح بن صالح الثقافي، ط2]، والقول المفيد على كتاب التوحيد (1/116، 455) [دار ابن الجوزي، ط3].
اتخاذ الأوثان أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأظلم الظلم، وأعظم المحادة لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، فهي أساس الشرك الأكبر وقاعدته، وأصله ومنبعه، وما بعث الله تعالى رسله، وأنزل كتبه إلا للقضاء على الأوثان، وهدمها وتخليص الناس من العبودية لها، وتطهير قلوبهم من رجس الأوثان وأقذارها[1].
[1] انظر: التمهيد لابن عبد البر (5/45).
حقيقة اتخاذ الأوثان أن تقصد بنوع من أنواع العبادة، من دون الله تعالى، أيًّا كانت، حجرًا، أو قبرًا، أو شجرًا، أو نبيًّا، أو رجلاً صالحًا أو طالحًا، رضوا بذلك أم لم يرضوا بذلك، وأصل عبادة الأوثان كان من باب التعظيم لأهل الصلاح، وللبقع المباركة.
قال ابن السائب الكلبي رحمه الله ـ عن السبب الذي حمل بعض العرب على الشرك ـ: «كان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان، والحجارة: أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرًا من حجارة الحرم؛ تعظيمًا للحرم، وصبابة بمكة، فحيثما حلُّوا وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمُنًا منهم بها، وصبابة بالحرم وحبًّا بها،... ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم»[1].
[1] كتاب الأصنام (6) [دار الكتب المصرية بالقاهرة، ط3].
قال عزّ وجل: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ *} [الحج] ، وقال: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] ، وقال: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [العنكبوت: 25] .
عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه في قصة إسلامه؛ «أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنت؟ قال: أنا نبي، فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحَّد الله لا يشرك به شيء»[1].
وعن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينحر إبلاً ببوانة فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قالوا: لا. قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم»[2].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهُمَّ لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»[3].
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: «يا عدي اطرح عنك هذا الوثن»[4].
[1] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 832).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الأيمان والنذور، رقم 3313)، والطبراني في الكبير (2/75) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (9/518) [دار الهجرة، ط1]، وابن حجر في البلوغ (2/185) [دار أطلس، ط3]، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2872). وجملة: ""وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك"": رواها البخاري (كتاب الأدب، رقم 6047)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 110).
[3] أخرجه البزار في مسنده، كما في كشف الأستار (1/220) [مؤسسة الرسالة، ط1]، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (5/43) [وزارة الأوقاف المغربية]، وقال الهيثمي: «فيه عمر بن صهبان، وقد اجتمعوا على ضعفه». مجمع الزوائد (2/28) [مكتبة القدسي]. وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه أحمد (12 / 314) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال الهيثمي: ""فيه إسحاق بن أبي إسرائيل، وفيه كلام لوقفه في القرآن، وبقية رجاله ثقات"". مجمع الزوائد (4 / 2) [مكتبة القدسي]
[4] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3095)، والطبراني في الكبير (17/92) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، وحسَّنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/67)، والألباني في أحكامه على جامع الترمذي.
قال ابن عبد البر رحمه الله: «وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحذِّر أصحابه، وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله، الذين صلُّوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجدًا، كما صنعت الوثنية بالأوثان، التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طريقهم»[1].
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: «ولا ريب أن الأوثان يحصل عندها من الشياطين، وخطابهم، وتصرفهم، ما هو من أسباب ضلال بني آدم، وجعل القبور أوثانًا هو أول الشرك»[2].
وقال ابن القيم رحمه الله: «ومن أعظم مكايده ـ أي: الشيطان ـ التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا إلا من لم يرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه، من الفتنة بالقبور حتى آل الأمر فيها، إلى أن عُبِدَ أربابها من دون الله، وعبدت قبورهم، واتخذت أوثانًا وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظل، ثم جعلت أصنامًا وعبدت مع الله»[3].
وقال السعدي رحمه الله: «فمن دعا غير الله، أو عبده، فقد اتخذه وثنًا، وخرج بذلك عن الدين، ولم ينفعه انتسابه إلى الإسلام، فكم انتسب إلى الإسلام من مشرك، وملحد، وكافر، ومنافق، والعبرة بروح الدين وحقيقته، لا بمجرد الأسامي، والألفاظ التي لا حقيقة لها»[4].
[1] التمهيد (5/45).
[2] مجموع الفتاوى (1/168) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1425هـ].
[3] إغاثة اللهفان (1/346) [دار ابن الجوزي].
[4] القول السديد في مقاصد التوحيد (1/29).
اتخاذ الأوثان من الأحجار، والقبور، والتماثيل، ونحوها بحسب الحكم أقسام[1]:
أولاً: أن يتخذها أمكنة للعبادة، والتقرب فيها إلى الله بأنواع من القربات؛ كالصلاة عندها، أو الذبح، ونحوه، فهذا من أعظم وسائل الشرك الأكبر، ومن أكبر ذرائعه، ويدل على ذلك عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينحر إبلاً ببوانة فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قالوا: لا. قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم»[2].
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة في المنع من اتخاذ القبور مساجد؛ لما تفضي إليها من الشرك بها، وعبادتها من دون الله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: «فمن أعظم المحدثات، وأسباب الشرك: الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، أو بناء المساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنهي عن ذلك، والتغليظ فيه»[3].
وقال ابن عبد الوهاب رحمه الله: «باب ما جاء من التغليظ فيمن عَبَدَ الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده»[4]. قال الشارح عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «أي: الرجل الصالح؛ فإن عبادته هي الشرك الأكبر، وعبادة الله عنده وسيلة إلى عبادته، ووسائل الشرك محرمة؛ لأنها تؤدي إلى الشرك الأكبر، وهو أعظم الذنوب»[5].
ثانيًا: أن يتخذها معبودات من دون الله تعالى، يتقرب إليها بالذبح، والنذر، والطواف، ونحوه فهذا شرك أكبر، مخرج من الملة، وهذا ظاهر لا خفاء فيه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] .
قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله: «والمقصود: أنه إذا كانت عبادة الله عند القبور منهيًّا عنها، ومغلظًا فيها، فكيف بعبادة صاحب القبر، فإن ذلك شرك أكبر»[6].
[1] انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد (3/27)، وحاشية كتاب التوحيد للقاسم (153) [ط5، 1424هـ].
[2] تقدم تخريجه قريبًا.
[3] إغاثة اللهفان (1/350).
[4] كتاب التوحيد ضمن تيسير العزيز الحميد (1/566) [دار الصميعي، ط1، 1428هـ].
[5] فتح المجيد (255) [دار ابن الأثير، ط15، 1434هـ].
[6] حاشية كتاب التوحيد (153).
الفرق بين الوثن والصنم:
اختلف أهل العلم في الفرق بينهما على ثلاثة أقوال[1]:
أحدهما: أنه ليس بينهما فرقًا، فالصنم هو الوثن، والوثن هو الصنم، ويدل على ذلك قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] ، وإنما كانوا يعبدون الأصنام، فدلَّ على إطلاق الوثن على الصنم، وهذا ظاهر قول قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله؛ حيث قال في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً}: «أصنامًا»[2]، وقد ورد عنه تفسيره لقوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 36] مرة بالأصنام، ومرة بالأوثان[3]، مما يدل على أنه لا يرى فرقًا بينهما.
ولم يصحح هذا القول بعض أهل العلم إلا مع التقييد: منهم الشيخ سليمان بن عبد الله؛ حيث قال: «وقيل: الوثن هو الصنم، والصنم هو الوثن، وهذا غير صحيح إلا مع التجريد؛ فأحدهما قد يعنى به الآخر، وأما مع الاقتران فيفسر كل واحد بمعناه»[4].
الثاني: وهو أن الصنم ما كان على صورة البشر، أو كان على أي صورة ما، وعُبِدَ من دون الله، وأما الوثن فهو كل ما عُبِدَ من دون الله، مما لم يكن على صورة؛ كالحجر، والبنيان، والقبر، ونحوه.
قال مجاهد بن جبر رحمه الله: «والصنم: التمثال المصور، ما لم يكن صنمًا فهو وثن»[5].
وقال سليمان بن عبد الله رحمه الله: «الصنم: ما كان منحوتًا على صورة البشر، والوثن ما كان منحوتًا على غير ذلك، ذكره الطبري عن مجاهد، والظاهر أن الصنم: ما كان مصورًا على أي صورة، والوثن بخلافه؛ كالحجر، والبنية»[6].
الثالث: أن بينهما عمومًا وخصوصًا؛ فالوثن أعم من الصنم، فالوثن كل ما عُبِدَ من دون الله سواء كان مصورًا، أو غير مصور، وأما الصنم فما كان على أي صورة، بشرية، أو غير بشرية.
قال ابن عبد البر رحمه الله: «الوثن: الصنم، وهو الصورة من ذهب كان، أو من فضة، أو غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن، صنمًا كان أو غير صنم»[7].
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «ويقال: إن الوثن أعم، وهو قوي؛ فالأصنام أوثانٌ، كما أن القبور أوثان»[8].
[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (1/245 ـ 246، 599)، وفتح المجيد (101).
[2] تفسير ابن أبي حاتم (9/3043) رقم (17210) [مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1]، وتفسير الطبري (18/373) [دار هجر، ط1، 1422هـ].
[3] انظر: تفسير الطبري (13/688).
[4] تسير العزيز الحميد (1/599).
[5] تفسير الطبري (13/687).
[6] تسير العزيز الحميد (1/245 ـ 246)، وانظر: المصدر نفسه (1/599).
[7] التمهيد (5/45) [دار الجيل، ط1420هـ].
[8] فتح المجيد (101).
لقد نتج عن اتخاذ الأوثان قديمًا وحديثًا آثار سلبية، ومفاسد كثيرة، منها:
أن الوقوع في ذلك يوجب صرف العبادة عن مستحقها سبحانه وتعالى، ويوقع صاحبه في الشرك الأكبر المخرج من الملة، فبدل أن يطلب النفع والضر من الله مالكه يتوجه ويتذلل ويتضرع لغير الله.
قال أبو شامة متحدّثًا عن آثار الموالد البدعية وما يقارنها من الشرك بالله: «ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى؛ كاختلاط النساء بالرجال واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد واعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي وغيره ممن يسمونهم بالأولياء»[1].
[1] الباعث على إنكار البدع (110).
الحكمة من تحريم اتخاذ الأوثان من دون الله هي: أن اتخاذ الأوثان من دون الله أعظم الظلم، وأقبح الذنوب؛ وما كان حاله كذلك فحقه أن يحرم أشد التحريم.
ولأن اتخاذ الوثن خراب للعالم كله، العلوي منه والسفلي والأرض والسماوات؛ فإن قوامهما بأن يؤله الإله الحق، فلو كان فيهما آلهة غير الله لم يكن إلهًا حقًّا؛ إذ الله لا سمي له ولا مثل له؛ فكانت تفسد لانتفاء ما به صلاحها[1].
[1] مجموع الفتاوى (1/43).
ادعى أهل الشرك والعناد في هذا الزمان أنه لا يقع في هذه الأمة المحمدية عبادة الأوثان، وأن اتخاذ القبور، والبناء عليها، والتقرب إلى أصحابها، والاستغاثة بهم، ونحوها، ليست من عبادة الأوثان[1]، وقالوا: إن عبادة الأوثان هي عبادة الأصنام، والتماثيل، التي كان مشركو العرب يفعلونها، وأما ما يفعله فئام من الناس عند المشاهد، والقبور، فليس هو من الشرك، بل هو من التوحيد، وليس معهم حجة، إلا الهوى، واتباع الشيطان الرجيم[2].
والرد عليهم:
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتتبعن سُنن من كان قبلكم شبًرا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم» قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى. قال: «فمن؟» [3]. وفي رواية: قلنا: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: «ومن الناس إلا أولئك»[4].
ومما هو معلوم بالأحاديث الصحيحة أن اليهود والنصار قد اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ومعابد، وقد حذرنا رسول الله من متابعتهم[5]، وقد وقع فعلاً ما أخبر به، وما حذر أمته منه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب ألياتُ نساء دوس على ذي الخلصة. وذو الخلصة طاغية»[6].
قال أبو عبد الله البخاري: «وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية»[7].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللاَّت والعزَّى»[8].
قال ابن القيم رحمه الله ـ في سياق ذكر الفوائد من قصة إسلام ثقيف وهدم اللات ـ: «ومنها: أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت، بعد القدرة على هدمها، يومًا واحدًا؛ فإنها شعائر الشرك والكفر، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور، التي اتخذت أوثانًا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض، مع القدرة على إزالتها، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركًا عندها، والله المستعان، ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وتميت وتحيي، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها، ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبر بشبر، وذراعًا بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس؛ لظهور الجهل، وخفاء العلم»[9].
[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (1/645).
[2] انظر من كتب القوم: الدرر السَّنية لزيني دحلان (15، 34) [مكتبة الحقيقة بإسطنبول]، وشواهد الحق ليوسف بن إسماعيل (69) [المطبعة الميمنية لمصطفى البابي الحلبي وأخويه]، وبراءة الأشعريين لابن مرزوق (1/388) [مطبعة العلم بدمشق، ط1388هـ]، وغيرها من كتب الشرك والبدعة.
[3] أخرجه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، رقم 7320)، ومسلم (كتاب العلم، رقم 2669).
[4] أخرجه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، رقم 7319).
[5] انظر: ما أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 427، 434)، و(كتاب الجنائز، رقم 1341)، ومسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 528 ـ 532).
[6] أخرجه البخاري (كتاب الفتن، رقم 7116)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2906).
[7] صحيح البخاري (1222) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[8] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2907).
[9] زاد المعاد (3/506 ـ 507) [مؤسسة الرسالة، ط26].
1 ـ «التمهيد»، لابن عبد البر.
2 ـ «إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان»، لابن القيم.
3 ـ «بدع القبور»، لصالح العصيمي.
4 ـ «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد»، للألباني.
5 ـ «رسالة الشرك ومظاهره»، لمبارك الميلي.
6 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
7 ـ «القول السديد في مقاصد التوحيد»، لابن سعدي.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور»، لعبد العزيز الراجحي.
10 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.