حرف الألف / الأول

           

قال ابن فارس: «الهمزة والواو واللام أصلان: ابتداء الأمر وانتهاؤه. أما الأول: فالأول، وهو مبتدأ الشيء»[1]. وآل يؤول: إِذا نجا وسَبَق، ويطلق على التقدم والسبق، فالأول: من تقدم على غيره وسبقه فكان الغير بعده[2]. ويطلق على ابتداء الشيء[3].


[1] مقاييس اللغة (1/158) [دار الفكر، ط1399هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (15/328) [دار إحياء التراث العربي، ط1]، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (59) [دار الثقافة العربية].
[3] انظر: لسان العرب (11/718) [دار صادر، ط3].


الأول: اسم من أسماء الله الحسنى وهو الذي ليس قبله شيء، السابق للأشياء كلها بلا ابتداء؛ المتضمن صفة الأولية المطلقة من كل وجه[1].


[1] انظر: شأن الدعاء للخطابي (87) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].


سمي بالأول؛ لأنه لا شيء قبله ولا بدء لوجوده، فهو الأول بالأزلية والآخر بالأبدية، فلم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم.



وجوب الإيمان بهذا الاسم كما دلَّت عليه النصوص، وأنه من أسماء الله الحسنى، دالٌّ على أنه سبحانه لم يسبقه في الوجود شيء، وأنه المستغني بنفسه، والإيمان بما دل عليه من صفة الأولية.



قال تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} [الحديد] .
وقد جاء تفسير هذه الآية في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» [1]، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء»[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2713).
[2] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3191).


ـ قال ابن جرير الطبري: «هو الأول قبل كل شيء بغير حدٍّ، والآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها»[1].
ـ وقال ابن أبي العز الحنفي: «فقول الشيخ ـ أي: الطحاوي ـ: «قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء» هو معنى اسمه الأول والآخر. والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطرة، فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته؛ قطعًا للتسلسل، فأنت تشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة، فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها، فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت، فعدمها ينفي وجودها، ووجودها ينفي امتناعها، وما كان قابلاً للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه، كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *} [الطور] يقول سبحانه: أحدثوا من غير محدث أم هم أحدثوا أنفسهم؟ ومعلوم أن الشيء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودًا بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدومًا، وكل ما أمكن وجوده بدلاً عن عدمه، وعدمه بدلاً عن وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له»[2].
ـ وقال ابن القيم: «فأولية الله عزّ وجل سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته: سبقه لكل شيء، وآخريته: بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه: فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضى العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه، وبطونه سبحانه: إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون. فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان زمانية ومكانية، فأحاطت أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته، وكل آخر انتهى إلى آخريته، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده، فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه. فسبق كل شيء بأوليته وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماء سماء ولا أرض أرضًا، ولا يحجب عنه ظاهر باطن؛ بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية، فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا»[3].


[1] تفسير الطبري (22/385) [دار هجر، ط1].
[2] شرح الطحاوية (66) [وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط1، 1418هـ].
[3] طريق الهجرتين (1/24) [الدار السلفية، ط2].


من ثمرات الإيمان باسم الله الأول:
ـ معرفة أن أولية الله سابقة على كل شيء، ومنها: سابقيته بالفضل والإحسان.
ـ إفراده وحده بالذل والالتجاء، وعدم الالتفات إلى غيره أو التوكل على سواه.
ـ التجرد من التعلق بالأسباب والالتفات إليها إلى التعلق بمن منه الإمداد ومنه الإعداد، وفضله سابق على الوسائل والأسباب[1].


[1] انظر: فقه الأسماء الحسنى لعبد الرزاق البدر (173) [دار التوحيد للنشر، ط1، 1429هـ].


من آثار الإيمان بهذا الاسم:
1 ـ أن التعبد لله باسمه الأول يقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف عليها والالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد.
2 ـ أنه يوجب له فقرًا خاصًّا وعبودية خاصة، يؤدي إلى عدم ركونه ووثوقه بالأسباب، فإن الأسباب تعدم لا محالة وتنقضي، فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي، والتعلق بالآخر عزّ وجل تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول.
3 ـ أنه يوجب صحة الاضطرار إلى الله وحده ودوام الفقر إليه دون كل شيء سواه، وأن الأمر ابتدأ منه وإليه يرفع، فهو المبتدئ بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة، وإليه ينتهي الأمر حيث تنتهي الأسباب والوسائل فهو أول كل شيء وآخره.
4 ـ أنه يوجب إفراد الله تعالى بالتعبد والتأله، فالله عزّ وجل هو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات، والآخر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها، فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويتأله، كما أنه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ، فكما كان واحدًا في إيجادك فاجعله واحدًا في تألهك وعبوديتك، وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وإرادتك وتألهك إليه لتصح لك عبوديته باسمه الأول والآخر[1].


[1] انظر: طريق الهجرتين (1/19 ـ 20).


1 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج9)، لابن تيمية.
4 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد بن وهف القحطاني.
5 ـ «شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة»، لحصة بنت عبد العزيز الصغير.
6 ـ «طريق الهجرتين وباب السعادتين»، لابن القيم.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «المعاني الإيمانية في شرح الأسماء الحسنى الربانية»، لوحيد بن عبد السلام بن بالي.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لمحمد الحمود النجدي.
10 ـ «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها؛ دراسة تربوية للآثار الإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى»، لعبد العزيز بن ناصر الجليل.