البغض: ضد الحب، قال ابن فارس رحمه الله: «الباء والغين والضاد أصل واحد، وهو يدل على خلاف الحب، يقال: أبغضتُه وأُبْغِضُه»[1]، ويقال: بَغُضَ الرجل بغاضةً؛ أي: صار بغيضًا، ويقال: بَغَّضَه الله إلى الناس تبغيضًا، فأبغضوه؛ أي: مقتوه، فهو مُبْغَضٌ[2].
[1] مقاييس اللغة (1/143) [دار الكتب العلمية، ط1].
[2] انظر: الصحاح (3/1066 ـ 1067) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م).
البغض: صفة من صفات الله الفعلية، فهو سبحانه يبغض ويكره أهل الكفر والشرك والفسق والفجور وأعمالهم المنكرة كما يليق بجلاله وعظمته[1].
[1] انظر: كتاب النبوات لابن تيمية (1/288) [أضواء السلف، ط1]، والصواعق المرسلة لابن القيم (4/1451) [دار العاصمة، ط3]، وصفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (69 ـ 70) [دار الهجرة، الرياض، ط1].
حقيقة البغض هو المقت والكره الشديد، والله سبحانه وتعالى يبغض الكفر والشرك والظلم والجور والبدع والفسق والفجور وغيرها من المعاصي والذنوب والسيئات ويبغض أهلها ومرتكبيها ومروجيها، ولذلك لا يحبهم ولا يتولاهم ولا يفرح بهم[1].
[1] انظر: الحجة في بيان المحجة (1/463) [دار الراية، الرياض، ط2]، ومجموع فتاوى ابن تيمية (10/75) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء. قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه. قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض»[1].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق؛ فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7485)، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2637) واللفظ له.
[2] أخرجه البخاري (كتاب مناقب الأنصار رقم 3783)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 75).
قال الإمام أحمد رحمه الله: «إن الله يحب ويكره، ويبغض ويرضى، ويغضب ويسخط، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي، ويمنع»[1].
وقال قوام السُّنَّة أبو القاسم التيمي رحمه الله: «عندنا يريد الله ما لا يحبه ولا يرضاه، بل يكرهه ويسخطه ويبغضه، والإرادة غير المحبة والرضا»[2].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «إنّ الله لا يُحبّ الشرك، ولا تكذيب الرسل، ولا يرضى ذلك، بل هو يُبغض ذلك ويمقته ويكرهه؛ كما ذكر الله في سورة بني إسرائيل ما ذكره من المحرّمات، ثمّ قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *} [الإسراء] »[3]. وقال أيضًا: «ومن المعلوم أنه قد دلَّ الكتاب والسُّنَّة واتفاق سلف الأمة على أن الله يحب ويرضى ما أمر بفعله من واجب ومستحب، وإن لم يكن ذلك موجودًا، وعلى أنه قد يريد وجود أمور يبغضها ويسخطها من الأعيان والأفعال كالفسق والكفر»[4].
وقال ابن القيم رحمه الله: «إن ما وصف الله سبحانه به نفسه من المحبة، والرضا، والفرح، والغضب، والبغض، والسخط من أعظم صفات الكمال؛ إذ في العقول أنا إذا فرضنا ذاتين:
إحداهما: لا تحب شيئًا، ولا تبغضه، ولا ترضاه، ولا تفرح به، ولا تبغض شيئًا، ولا تغضب منه، ولا تكرهه، ولا تمقته.
والذات الأخرى: تحب كل جميل من الأقوال والأفعال والأخلاق والشيم، وتفرح به، وترضى به، وتبغض كل قبيح يسمى، وتكرهه، وتمقته، وتمقت أهله، وتصبر على الأذى، ولا تجزع منه، ولا تتضرر به، كانت هذه الذات أكمل من تلك الموصوفة بصفات العدم والموات والجهل الفاقدة للحس؛ فإن هذه الصفات لا تسلب إلا عن الموات أو عمن فقد حسه أو بلغ في النهاية والضعف والعجز والجهل إلى الغاية التي لم تدع له حبًّا ولا بغضًا ولا غضبًا»[5].
[1] ذكره عنه قوام السُّنَّة في الحجة (1/463).
[2] الحجة في بيان المحجة (1/464).
[3] كتاب النبوات (1/288).
[4] مجموع الفتاوى (10/75).
[5] الصواعق المرسلة (4/1451).
إن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وهذه الصفة وإن كانت ثابتة لله سبحانه وتعالى ولكن لا يصح اشتقاق الاسم منها، ولذلك المبغض ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى[1].
[1] انظر: بدائع الفوائد (1/284 ـ 285) [دار عالم الفوائد]، ومدارج السالكين (3/415) [دار الكتاب العربي]، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى لمحمد التميمي (241 ـ 242) [أضواء السلف، ط1].
الكره والبغض كلاهما يشتركان في أصل المعنى، وهو نفور النفس عن شيء وعدم رغبتها فيه وعدم حبها له وعدم رضاها به، ولكن البغض أقوى وأشد دلالة على المعنى، فإن البغض هو الكره الشديد، ولذلك يستعمل الكره فيما لا يستعمل فيه البغض، فيقال مثلاً: أكره هذا الطعام، ولكن لا يصح أن يقال: أبغض هذا الطعام[1].
[1] انظر: الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (129) [دار العلم والثقافة، القاهرة، 1418هـ].
1 ـ إن الله سبحانه وتعالى أهلك الكفرة والظلمة والطغاة والجبابرة، والقرآن الكريم مملوء بذكر أخبارهم وقصصهم، ولا شك أن هذا من آثار بغض الله إياهم وعدم رضاه بهم؛ فإن الله سبحانه وتعالى يبغض الكفر والشرك والظلم وأصحابه، ولذلك دمَّرهم.
2 ـ إن الله سبحانه وتعالى إذا أبغض عبدًا فلا يوضع له القبول ولا يبقى له الذكر الحسن بل يبغضه أهل السماء والأرض.
3 ـ إن الله سبحانه وتعالى يبغض الكفر والشرك والظلم والجور والبدع والفسق والفجور وغيرها من المعاصي والذنوب والسيئات ويبغض أهلها ومرتكبيها ومروجيها، وعلم العبد بذلك ويقينه به يجعله يبتعد من تلك الأمور البغيضة والأعمال المكروهة.
البغض صفة من صفات الله الفعلية، وقد اتفق أهل السُّنَّة والجماعة على إثباتها لله سبحانه وتعالى، وخالف في ذلك غلاة المعطلة الذين ينكرون جميع الأسماء والصفات وهم الفلاسفة والجهمية وغلاة الصوفية، ووافقهم على ذلك المعتزلة الذين ينفون عن الله سبحانه وتعالى قيام الصفات بذاته سبحانه، والكلابية يثبتون هذه الصفة ونحوها من الصفات الفعلية ولكنهم جعلوها صفة ذاتية واحدة أزلية، وبذلك خالفوا مذهب السلف، وكذلك الأشاعرة والماتريدية لا يثبتون هذه الصفة، ويؤولونها بالإرادة أو يفوضونها، ولكن يلزمهم في تأويلهم لها بالإرادة مثل ما فروا منه في إثبات صفة البغض، فإن المخلوق أيضًا عنده إرادة، فالمعنى الذي صرفوا إليه ألفاظ النصوص مثل المعنى الذي صرفوا عنه، فإن جاز هذا جاز ذلك، وإن امتنع هذا امتنع ذاك، ونصوص الكتاب والسُّنَّة ترد على من أول هذه الصفة بغيرها أو نفاها عن الله سبحانه وتعالى، وأقوال السلف في ذلك كثيرة. وأما تفويض معاني هذه النصوص فهذا أيضًا باطل؛ لأنه يلزم من ذلك أن الله خاطب بما لا يفهم ولا يعقل، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفهم مراد الله أو فهم ولكن لم يبلغ الصحابة، وأن الصحابة لم يفهموا معاني هذه النصوص، فدعوى التفويض فيها تجهيل للسلف وطعن على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم[1]، والله تعالى أعلم.
[1] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2/469 ـ 470)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (68 ـ 689). ومن كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (182 ـ 183) [مكتبة وهبة، ط2، 1408هـ].
1 ـ «الأسماء والصفات» (ج2)، للبيهقي.
2 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
3 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، لأبي القاسم التيمي.
4 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
5 ـ «صفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
6 ـ «الصواعق المرسلة» (ج4)، لابن القيم.
7 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج10)، لابن تيمية.
9 ـ «مدارج السالكين» (ج3)، لابن القيم.
10 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لأبي عبد الله عالم عبد الله فالح.
11 ـ «النبوات» (ج1)، لابن تيمية.